الاثنين، 3 يناير 2011

في حصة الرياضيات



في حصة الرياضيات

خوسي رودريغز ماتاردونا
المرشح النهائي لجائزة "معبر المضيق" 2008. فئة الإسبانية



ثم يضعه على رأسه كما لو كان قبعة ثم يعود لمكانه و هو يضحك و يقول:
      - لا يا أستاذ أنا لست نماما.
كريم يريد ان يكون محط انظار الجميع طول الوقت.
    -  أنت متعب جدا! طبعك يتعبني و كأنك بقرة أحملها على ذراعي.
    -  ماذا تقول يا أستاذ؟ بقرة ؟ اذرع؟
يسيء كريم التصرف أحيانا ويضطر الأستاذ لمعاقبته  و لكن أحيانا اخرى يكون مثالا في الإنضباط.
         - اليوم أحسنت التصرف, اليس كذلك ؟ اليوم لست كالبقرة الثقيلة؟
زملاء كريم, محمد و رويدة و"فيكتور مانويل" من "بوليفيا" يضحكون.
يضع محمد جهاز تقويم الأسنان و هذا أكبر دليل على اندماجه و انسجامه و أمه تعيش مع إسباني و لا تلبس الحجاب.
         -  محمد لديه اخ ابيض- هذا ما قاله كريم ذات مرة مبديا إستياءه بشدة.
بالفعل كريم ظريف و هذه موهبة. مهم جدا ان نعترف بملاحة و ظرافة الغير
تذكر الأستاذ اليوم الذي اتى فيه كريم و حكى له  كيف يزعج اخيه الأطفال فهم دائما يقولون
      - يا سعيد, لدينا صورة تتناول فيها القربان المقدس.
       الأستاذ يتفق مع كريم في أن هؤلاء الأطفال أشرار و لكنه يعترف في الوقت نفسه بأن طريقتهم في إزعاجه حذقة و ذكية الى درجة انه يتصور سعيد بلباس البحار و هو خاشع. و يتساءل الأستاذ هل بإمكاننا اعتبار هذه الصورة رمزا لتعايش الثقافات؟ وبعد دقيقتين يجيب نفسه بالنفي .
الأستاذ في مهنته هذه صادف العديد من الأشخاص الظرفاء و الأشخاص الذين ليست عندهم اي كفاءة و لكن حالة كريم مبالغ فيها.
   طرح الاستاذ مسألته التي يعتقد ان التلاميذ سوف يستغرقون اسبوعا كاملاً فيها لإيجاد الحل
"يزيد طول لويس عن طول ماريا بخمسة عشر سنتيمتر و ينقص طول انطونيو عن طول ماريا بستة سنتيمتر. إذا كان طول ماريا هو متر و ستة و خمسون  فكم يبلغ طول لويس و انطونيو؟"
       - كم طول لويس؟
      - خمسة عشر كيلومتر.
      -  ماذا؟
      -  لا, لا, خمسة عشر سنتيمتر.
      - طول لويس هو خمسة عشر سنتيمتر؟ سأل الأستاذ و هو يطلعه على القياس في المسطرة.
      - هذا ما يضعونه هنا يا استاذ.
      - إقرأ المسالة مجددا.
      - يزيد طول لويس عن طول ماريا بخمسة عشر سنتيمتر و ينقص طول أنطونيو عن طول ماريا بستة سنتيمتر . إذا كان طول ماريا يبلغ متر و ستة و خمسون فكم يبلغ طول لويس و طول أنطونيو؟
      - كم هو طول ماريا؟
      - ستة كيلومترات؟
في بداية السنة الدراسية و أمام اجوبة كهذه , يستنشق الأستاذ كمية كبيرة من الهواء ثم يخرجها ببطء شديد. هذا لكي لا يأخذ دفتر كريم أو كريم نفسه و يلقي به من النافذة. بينما كريم يحك قفاه كما لوأن شيئا سيخرج من هناك.
     - و أنت كم طولك؟ - يسأل الأستاذ كريم.
ينهض كريم من مكانه و يتجه نحو الحائط. يقترب منه و يكاد أن يرتطم رأسه به ثم يشير الى طوله و بعد ذلك يقوم بحساب الأشبار من الأعلى الى الأسفل.
     - كم هذا إذن؟ - يسأل كريم باسطا يده.
      يحاول الأستاذ في بعض الأحيان تحسين أوضاع الإرتخاء . يجمع السبابة بالإبهام في شكل قرص موليا راحة اليد  إلى الأعلى. وضع يظنه من فن اليوغا أو أحد الأوضاع الشرقية و يقول:
      - أووووووووووم   أوووووووووم...
      في البداية كان هذا يربك كريم قليلا و يبدأ في النظر و بكل اندهاش الى الأستاذ و لكنه أدرك لاحقا أن هناك شيء من المزاح في كل ذلك و أصبح يتمادى في تصرفاته و يشوش أكثر فأكثر.
 استبدل الأستاذ الأوم الكلاسيكي الشرقي- الذي يذكر بدقة الجرس القرصي الكبير و بمجموعة الصينيين الصلع بملاياتهم الحمراء الشبيهة بلباس مصارعة الثيران الملفوفة حول الجسم- بكلمة الصبر و التي بحث عنها في قاموس إسباني عربي.
     - الصبر! الصبر مع كريم.!
          - الصبر!
      - الصبر!
     ذات يوم اخرج كريم من جيبه ورقة مطوية مكتوب عليها جدول حصصه لكي يسأل الأستاذ عن فصل الحصة الثالية . عندها اكتشف هذا الأخير أن كريم يضع في خانة الرياضيات كلمةpollo  التي تعني دجاج باللغة الإسبانية, عوض كلمة apoyo  التي تعني دعم , يعني "دجاج الرياضيات" و ليس "دعم الرياضيات".
فكر الأستاذ للحظة أنه ربما نال كل آفاقه الأكاديمية بحصوله على درجة أستاذ في "دجاج الرياضيات".
ذات يوم تغيب أستاذ "دجاج" اللغة فدخل كريم إلى فصلي.
       - كم مقطع في كلمة عصفور؟
       - ع-ص-فو-ر . يصرخ كريم  مشددا تصفيقة مع كل مقطع.
      استغرب الأستاذ في البداية و لكن بعد استشارة اساتذة آخرين اكتشف أنه من العادي أن يصفق التلاميذ مع كل مقطع و أعجب كثيرا بطريقته هذه في تقطيع الكلمات . و تحدثوا كثيرا ذلك اليوم بين تصفيقة و تصفيقة  وبين مقطع و آخر.
   -  أ-ه-لا-يا-أ-س-تا-ذ-ا-ل-ج-و-با-ر-د.
            - أ-س-ك-ت-ق-لي-لا-ك-ي-لا-ت-عا-ق-ب-في-ا-لإ-س-ت-را-ح-ة.
     كريم يخطب ود رويدة و لكنها تستصغره كما لو ورثت ذلك على مر العصور. لها شنب يشبه شنب كريم
     عندما يشعر كريم برفضها يحتمي في الرياضيات. يبدو كجرو ضربوه بشدة و هذا يفكر الأستاذ ببيت شعري ل"بالينتي" : " اليوم يلبس الحب حلته الحزينة" و بعدها مباشرة و لتعويض الحذلقة و لأنه يصعب عليه كيف يعاملون كريم يتذكر مقطع آخر مقتبس عن الكاتب "ثيلا" و الذي يقول: " يصعب تزويج أم الشوارب لأن الخطباء يتهربون ".
           -  قم الى السبورة و ارسم "لويس" و "ماريا" و "أنطونيو".
           -  حاضر.
     مارآه الأستاذ بعد ذلك ليس له اي تفسير ممكن, ليس لأنه بارع أو لانه أستاذ مطلوب فى  الفن التشيكلي-لأنه أيضا لا يحسن الرسم- و لكن لأن الذي رسمه كريم على السبورة يشبه المخلوقات المقززة الناشئة خارج الأرض.
     "روائع الضحك اللاإرادي" , هذا هو العنوان الذي وضعه أحد الشخصيات في رواية ل"كونديرا" لسلسلة قصصية كان يكتبها. يمكن لكريم أن يقوم بعدة اقتراحات في الموضوع.
هذه المرة المشكلة مع  الأرقام الرومانية:
     - هل تعرف من هم الرومان؟
- نعم بالطبع: "نيكوليتا","اندريا"...
- لا, هؤلاء من رومانيا.
 - نعم الرومان.
- هل شاهدت فيلم "بن هور" أو "كلادياتور"؟
- أنا فقط تعجبني أفلام تا تا تا تا  و يقوم بحركة و كأنه يطلق النار بالمسدس الرشاش.
     اكتشف الأستاذ أنه إذا كان رقم إثنى عشر هو الثاني عشر فرقم الثالث و العشرون يصبح العجوز و العشرون لأن كريم يخلط بين كلمة vigésimo و التي تعني العشرين في الأرقام الترتيبية و كلمة viejísimo و هي صيغة المبالغة لكلمة عجوز.
      لاحظ كريم أن أستاذه يتمتع بالإستماع الى حكاياته. يحكي له أشياء عن الريف, كيف كان يمشي  هو و أصدقاءه بكل بطء نحو المدرسة لكي لا يصلوا قبل الوقت رغم انهم يعرفون أن الضرب هو عقاب التأخير.
      يعرف كريم أن حكاياته تلهينا عن الرياضيات و لهذا فهو يتصرف كشهرزاد.
يحكي أيضا أن في بلدته فقط يعيش العجزة و الأطفال و هم اغنياء بفضل المال الذي يرسله الرجال. الأستاذ يبرر عدم إعطائه دروس الدعم بأن كريم يحتاج أيضا الىممارسة اللغةأخبرنا أيضا بأن له اخا يعمل في أشغالM30 و بأنه عندما يكبر  وعلىالعكس من أخيه سوف يعمل في شيء آخر لأنه يحسن القراءة و الكتابة
يستمر في حكاياته متفاديا في كل حين العودة الى الدرس و الأستاذ يشعر بنفسه كالملك أو كالسلطان الذي يستمع الى شهرزاد و يفهم موقف كريم. ولأنه من الممتع سماع تلك الحكايات و لأنه من المؤكد إن كنت مضطرا لقتل شخص يشعرك بالكسل أكثر من أن تكون مضطرا لشرح من هو اطول: "لويس" أم "ماريا" أم "أنطونيو".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق